السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
"يصلي؟"
"الفجر في المسجد، سألين عنه
الإمام."
"ما شاء الله، وشلون
تعليمه؟"
"جامعي، وهقوتي أنه ناوي يكمل
دراسة."
"متوظف؟"
"أي ما شاء الله، وفي نعمه
ومقتدر، ولا يدخن، والرجال رايته بيضاء"
"قلت منهو منه؟"
"الـ****"!"
"آخس وعقب! مضروب جنبه؟ ويخطب منا؟
والله اللي هاذي سالفه! يروح يخطب بنت عمه اللي مثله! ما عندنا بنات للزواج."
"مضروب جنبه" تعني أن
الشخص ينتمي بطريقة أو بأخرى -في عرفهم- لعائلة أقل منهم.
كتبت الحوار في سياق الزواج لأنهُ
أكثر ما يتكرر فيه. هذا الحوار المُنصف والراقي جدًا يحدث في مواقف كثيرة من
انضمام إلى وظيفة وحتى الصداقات.
في مجتمعي، نصلي، نصوم، تتحجب
الفتيات، يلتحي الرجال، نزكي، ونتبع الدين الإسلامي بحذافيرة بُغية الجنة. حتى
يرتطم ديننا بجاهليتنا التي تأصلت فينا فأخذت تنخر في وحدة الإسلام فنعود إلى
الطبقية.
أنت تقرأ ما أكتب الآن وتفكر ما أسم
عائلتك؟ ولأي فئة تنتمي هذه العائلة؟ قبيلي؟ هولي؟ مجنس؟ أسمر؟ أبيض؟ بدوي؟ حضري؟
خليجي؟ عربي؟ أين تقع أنت في هذه الطبقات التي تضع لكل فرد منا حد لا يتخطاه. لأنك
لست شخص واحد يمثل نفسه، أنت جدك وعمك وخالك وذاك الذي نُسبت له ولاتعلم عنهُ
شيئًا. وعلى ذاك فإن المجتمع يرميك في خانة غير منصفة في حقك.
كُثر هم الذين ينبذون العنصرية
القبلية بنفاق ظاهرهُ التحضر وباطنهُ العصبية القُحة التي لا يتخلون عنها، سيقولون
ما يقولون ثم إذا صار وقت الحق سيبتعدون عن بعضهم البعض لأن "ناس أحسن من
ناس"، وهم الأحسن فلا يجوز لدمهم وكلامهم وفكرهم ونسبهم الاختلاط مع من هم
أقل "حسنًا" منهم.
ضرب رجل من المهاجرين رجل من
الأنصار، فاجتمع قومٌ من المهاجرين وقومٌ من الأنصار، فقال الأنصاري يا للأنصار
وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما بال
دعوى الجاهلية؟" قالوا: " يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من
الأنصار" فقال: "دعوها فإنها منتنة" أي تركوا احياء هذه النزعات
القومية والدعوات الجاهلية فهي نتنة مفسدة، وذلك لأن كل منهم نادى جماعته. نتكلم
عن من هنا؟ المهاجرين و الأنصار، خير أمة محمد وأفضلهم وأشرفهم. عن من عذبه
المشركون ومن طرد من بيته في سبيل الله، ومن جاهد لرفع رايه الحق، ومن حفظ القرآن،
وصاحب محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم-، بعد كل هذا ينهاهم الرسول عن
الافتخار بما هم عليه وما فعلوه. وأنتَ قارئي، أي فضل عندك فوق ما عندهم حتى تفتخر
بما ليس لك أصلًا.
ينادي الواحد منا بإسم قبيلته في
قصائد لا حد لها، ويعلو أسم الجد المؤسس للقبيلة وخلفه الاصوات تبجل بطولات قبيلته
وتحتقر كل ما سواها. عُذرًا فليست قبيلتك التي جاهدت في بدر، ولا قبيلتك التي قادت
اليرموك، ولم تسلم مفاتيح القدس إليك. جدك هو البطل والمحارب والفصيح الشاعر ولست
أنت، هذا الرجل العظيم يحمل فخره بنفسه وليس لك شيء منه فلم تعمل ما عمل، وليس
الفتى من قال كان أبي، إن الفتى من قال ها أنا ذا!
يقول الدكتور محمد العوضي:
يسألك الشخص ليحكم على الآخر مهما كانت انجازاته: "هذا متى جى الكويت؟"أنت متخلف! لأنك تضع معيار تاريخيًا لا معيارًا أخلاقيًا!
نحتاج أن ننظر إلى الفرد كشخص مستقل،
يكبر ليثبت نفسه وذاته وكيانه، وكل ذلك لوحدة المجموعة الكُبرى وهي الأمة الإسلامية.
فلا تبجيل الجد سيدفع الحفيد للعمل بل سيكتفي ببطولات جده، ولا أصل الأب سيُعطي
الأبن حق الانتماء أو القبول من مجتمع يراه فردٍ قد دخل متأخرًا لوطنهم فهو ليس
منهم. نحتاج أن نُقدر الأفراد ونبني مجتمع يرى انجازات الفرد الواحد لا قبيلته
الممتدة كغثاء السيل بلا نفع ، فالإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره ولا بإنجازاته. نحتاج
أن نعمل معًا ونتعايش لأننا نحنُ المجتمع، ولأن هذا الدين قائم على وحدتنا. { وَلا
تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْبَيِّنَاتُ}(آل عمران: من الآية105)، { وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا
وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} (الأنفال: من الآية46).
أنظروا حولكم، كل هؤلاء الغرباء
الذين لا تعرفون من هم، ولـ "من يردون"، هم مساوون لكم. لا فرق بين عربي
ولا أعجمي إلا بالتقوى، وأحسبكم تعرفون ذلك. "فما نفع أبي جهل الهاشمي القرشي
نسبه؟ وما ضر بلال بن رباح الحبشي نسبه؟"
والآن أقول لك .. إن كان فُلان "مضروب
جنبه" فأنت يا سيدي "مضروب عقلك!"
- هجا
تويتر: @Haja__
اسئلني: http://ask.fm/haja24
Photo credits: Latifa Yousif http://instagram.com/3ab6b6