الحياة السرية، الأشياء الصغيرة، وصورة ٢٥
*دعاية الفيلم، ربما من الأجدر مشاهدتها بعد قراءة المقال*
السِحرُ في هذا الفيلم عجيب. ينبعث من داخل القلب إلى العالم.
أحب فكرة التوغل في الحياة بطريقة تُخرجنا من جلدتنا المتخوفه من المجازفة، والأجساد التي ألفت الرتابة والروتين.
سأخبركم ما أحببته في “حياة وولتر ميتي السرية” دون أن أخبركم بالقصة كاملة.
قصة الفيلم هي عن والتر ميتي موظف في مجلة لايف. يعيش في أوهامه أكثر من واقعه. يعني أن وولتر يعيش ما نعيشه كلنا حين “نأكل من المدير علقة” و نردد في أذهاننا:”كل تبن!” دون القدرة على قول ذلك. لكن سيد ميتي يصل بذلك إلى مرحلة بعيدة جدًا. يسرح في عالم الخيال مطولًا. يتخيل له بطولات وصولات وجولات. ثم يعود للواقع بضربه من زملائه الموظفين الذي يتخيل دومًا أنه يضربهم بدوره. أي أنه يعيش حياة مزدوجة، في مخيلته الإفتراضية، وفي الواقع.
هُناك خيط رفيع يفصل الخيال عن الواقع نتمنى أن نكون بالقوة الكافية حتى نقطعه تمامًا ويُصبح ما في عقولنا هو ما نعيشه دون حاجه إلى التظاهر. الخوف قيد الإنسان عن الحياة. واللي اختشوا ماتوا، على اللسان المصري.
يُحاول وولتر أن يفتح نافذة لحياته الخيالية التي يريد أن يعيشها حقًا عن طريق الإنترنت: حياة إفتراضيه أخرى. السبب هو أن الفتاة التي تُعجبه متواجده في أحد مواقع التواصل الإجتماعي. وفي طور نقله لحياته لعالم الإنترنت الافتراضي نجد أن مهنته على المحك. وظيفته من الوظائف المُهددة بالإنقراض: مسؤول الصور القوتوغرافية (النيقاتيف). ومجلة لايف بأكملها تُنهي النُسخ الورقية المطبوعة لتُصبح مجلة رقمية. أي أن وظيفة وولتر دون معنى بعد أخر عدد مصور ستُصدره المجلة. سين أوكونيل، المصور المُغامر صاحب الشأن في مجلة لايف والوسط الإعلامي كان ذو علاقة وطيد مع ميتي. لم يتكلم مع أحد، أو يراسل أي شخص من المجلة إلا ميتي. وعلى ذلك أرسل له أجد صورة لتكون صورة غلاف العدد الأخير قائلًا أنها الصورة التي تُمثل:”جوهر الحياة”. مُرقمه برقم ٢٥. المُعضلة هُنا أن الصورة رقم ٢٥ مفقودة في شريط الصور ويقع الخطأ على عاتق وولتر الذي يبدأ رحلة البحث عن الصورة ٢٥، ومنها تبدأ المغامرة بين الخيال والحقيقة، حتى يُصبح الإثنان واحد.
الجميل في هذا الفيلم أنه واحد من الأشياء اللي تُأخذها كمهرب من العالم. لتجلب لك الفرح في قرار ميتي بالبحث. المتعة في “قد أقدر على ذلك أنا أيضًا!”، والحماس في لحظة انتظار جوهر الحياة وما هي صورة ٢٥.
التصوير كان أخآذًا. كأنني أشاهد لوحة. كُنت مُستمتعة بالألوان، الدهشة، المناظر الطبيعية. شيء ما في هذا الفيلم يترك في المُشاهد سعادة، علاوة على كوميديا بن ستيلر، الذي يكون مُخرج الفيلم إيضًا.
أحببت مكالمات الهاتف مع موظف موقع التواصل الإجتماعي الذي كان يسأله في كل مرة عن شيء خاص به، مغامراته، اهتمامته، وغيره حتى يُعبئ له ملفه في الموقع، وفي طور مغامرته راح وولتر يملأ الفارغات لهذه الأسئلة.
تقول لي نورة أختي:”فسري لي وشو اللي عجبج في هالفليم لهدرجة؟”
قلت لها: سأكتب عنه، وستفهمين.
وهُنا أقول لنوري:
أعجبني لأن ولتر الذي حاول جاهدًا خلق ألف عالم وعالم خيالي وافتراضي، لم يجد الحياة إلا في عالم واحد. هُنا. على هذه الأرض. ولأن حبيبته كانت في الإنترنت، و وظيفته تحولت للإنترنت، ومخيلته كانت في انترنت خاص به كان على شفا أن يتخلى تمامًا عن الحياة الواقعية. لكن شيء واحد أعاده لها، صورة “نيقيتف” رقم ٢٥. أصل الحياة، جوهرها. البشر خلف المكاتب الرتيبة، العُمال في مواقع البناء، النادل في عربة الطعام، الخياط في محل صغير يخيط لفتاة في الخامسة فُستان تَخرج .. الحياة بين أيادي الكادحين الذي يضعون على عاتقهم مُهمة الإستخلاف، لأن الحياة ليست شيء واحد ضخم، لكنها مجموعة من الأشياء الصغيرة. نحن. نحن الحياة.
كونوا هُنا.
وكما يقول ميتي، عن شعار الحياة، أو بالأحرى شعار مجلة الحياة:
To see the world, things dangerous to come to, to see behind walls, draw closer, to find each other, and to feel. That is the purpose of life.
توقف عن التخيل، أبدأ بالحياة!
-هجا